جبل ثلج

لطالما كانت الأحلام جدار المخذولين، وظِلُ لمن لا ظل له.. لطالما كانت ظهر للمهزومين..دعامتهم ؛ لذا لا تتخلوا عن احلامكم مهما قصرت المسافات أو بعدت…

كان يفصلني عن موعد منبه هاتفي المؤقت تمام الخامسه وثلاثة وأربعين دقيقة فجراً خمس دقائق لإيقاظ اخي الصغير للمدرسة ، وكلما تقلصت هذه الدقائق كلما زاد غليان البركان الخامد في أحشائي.

داهمني شعورٌ بالمرارة والكآبة والضجر ورغبة شديدة بالبكاء؛ لعلي بهذه الدمعات أتخلص من شعور الإختناق الذي ضيق علّي ضحكاتي..

نفضت كل ذلك وتسورت مع ابريق القهوة على نيران مدفأة الغاز. أشبهة حالتي في هذه اللحظات بإبريق القهوة ،إذ أخذت هذه المشاعر تتأجج فيّ تدريجياً بطريقة إستذكرتُ فيها مقولة تُنسب لعلماء النفس مفادها ” اذا شعرت بالضيق والحُزن، أو إذا فقدت القدرة على النوم فإعلم ان شخصاً يُحبك ويفكر فيك يُصارع هذه المشاعر ورُبما مشكلةً، ولم يخطر على باله سواك كداعمٍ او مُخلّصٍ ومُشتت لهواجسه”… بدأت أستذكرُ حروف الابجدية بالترتيب لأسماء من أظنهم يحبونني، وقد مررت مرورًا على بالهم ، أُقلّبهم واحداً تلو الأخر مراتٍ ومرات ” لم أجد”! أعدتُ الكرّة؛ لأن مشاعري باتت تعصر رئتاي كأفعى الكوبرا، تلسعها وعلى اثر وقع سمها تتسارع ضربات قلبي حتى خلت أنه سينفجر بأي لحظة، ولكنني” لم أجد”!

أطلقتُ صرخاتي الغاضبه في اعماقي، كأُم شهيد – “هو وحيدُها ” . رفعتُ يداي عالياً، ولححتُ بمُناجاتي للاله بأن يُخلصني من كل هذه المشاعر والهواجس الدخيلة على ليلتي الدامية، وبعد دقائق غُيّبتُ فيها عن الوعي و “غشيني النُعاس آمنةً”، ثم هدأت روحي على غير عادتها، ولازالت دموعي تتقاطر، حتى رأيتك تمرُ في حُلمي وكأنني أعرفك!

أراك الان وجهاً لوجه، مثل مُتهمٍ وجلاده،

وجدتني انت أولاً..

قابلتك بنصف إبتسامة خجولة ثم أنزلت رأسي فرحاً،ولربما رغبة مني أن أستفيق قبل أن أغرق وأهيم “بحُلمٍ عُمره ثوان” .

أنا: قلبي مُتجهمٌ من القلق والرُعب، ومُصفرة بُطيناته خوفاً، ويُمكنك ان تسمع ضربات قلبي على بُعد الف ميلٍ وأزيد. 

انت: قلبك “ميت” لا يعرف الخوف، سبيله لأُذيناته، وضرباته تغّط في سُباتها المُعتاد.

أنا: لا يُمكنك التنبؤ حتى بسعادتي وحُزني… لا تعرفُ جِدّي من مزاحي ..

انت: في الحقيقه اجهل حتى نوبات غضبك من نسائم هدوئك…. كل شيء لديك مُنسجم، وكأنك بحرٌ ، بل انت البحر بأُم عينيه…

انا: انها ملامحك الجامدة، كلها واحدة، صيفاً وخريفاً، ليلاً ونهاراً.. وتلك النِصف ابتسامه التي كم تحاول الحِفاظ على نسقها مُذ بدأنا… ناهيك عن هدوئك القاتل هو نفسه… 

هه أُدرك تماماً ان كل هذا الهدوء وذاك التناسق خلفه ملامح متماسكة بركانٌ يغلي .. ولكن الذي لا اعرفه الوقت الذي سيطفو فيه على السطح؛ لنتكبد جميعاً مُخلفاته التي لا ترحم. 

اتعلم .. كم كانت كثيرةٌ محاولاتي لإستفزاز هذا البُركان الراسي، فمرةً أُباغته باغنيه ، ومرةً بسؤال حاقد، ومرةً بنظرة مُغتّر، وحركات بهلاونية لاتشبهني، وإيماءات طفلٍ حذق مازال حبيس اعماقي ، ولكنك تُصرّ على ملامحك الباردة وترسم ذات الإبتسامة الباهته.

أنفرجت على إلتفافتك نحوي بعدما وضعت يدك اليُمنى في جيبك والأخرى لففت عليها معطفك، وأزلت بقوامك المُستقيم كل مخاوفي من أن لا أجدك، وعلى وقع إبتسامتك الرقيقة فور رؤيتك لي ” هدأت لهثاتي”.

قبلت عينيّ .. ثم همست في اذني بأن أذهب .

لازلتُ في الحُلم!

من أنت؟

متى سنلتقي مُجدداً؟

وهل سيطول وقت اللقاء يا حُلمي؟

https://youtu.be/vxXcPnqWVDc